كي برس/ مقالات ـ فخري مشكور
اتصل بي برلماني عراقي لا يحسن الكتابة، وخاطبني باسم القومية العربية والوطنية العراقية، وحثني على أن اكتب حول خطورة التدخل العسكري الايراني في العراق لنرفع الصوت ضد هذا الخرق الأجنبي لسيادته الوطنية، لاسيما وان ايران لها مطامع في العراق خصوصاً وان قوتها العسكرية المتزايدة اصبحت رافعةً لاطماعها الاقليمية، والعراق يملك ثروة نفطية هائلة وموقعا ستراتيجيا في الاقليم.
واستثار البرلماني حميتي في الدفاع عن استقلال العراق وسيادته وضرورة عدم فسح المجال لهذه القوة الاجنبية للتغلغل فيه.
قلت له: ما رأيك ان تكون المقالة باسمك؟
قال: لا لا، انشرها باسمك في المواقع التي تنشر فيها مقالاتك
قلت له: عندما تكون باسمك ستكون مؤثرة اكثر
قال: لكني اريد نشرها في المواقع التي تنشر انت فيها
قلت: أنشرُها لك في هذه المواقع لكن باسمك
قال: والله؟ هذا لطف منك وفضل لن انساه
قلت: ستجد المقال باسمك منشورا قبل صلاة الصبح انشاء الله
قال بعد ان تردد قليلاً: هل لي ان اطلب منك شيئا آخر تعمله لأجلي؟
قلت: تفضل
قال: انت تعلم ان الاحداث لها مظاهر ولها اسباب، ولا يمكن فصل الظواهر عن اسبابها
قلت: صحيح
قال: وتعلم ان انتشار داعش في المناطق التي انتشرت فيها كان رد فعل طبيعي للتهميش الذي عانته تلك المناطق
قلت: حسناً
قال: فيا ريت تلقي الضوء على هذه النقطة
قلت: تقصد ان الذي يعاني من التهميش فلا تثريب عليه ان آوى ارهابيين اجانب؟
قال : لا لا ، اقصد ان ….أن …يعني
قلت: فهمت قصدك
قال: اعني انه اذا عُرف السبب بطل العجب
قلت: تماماً
قال: اتركها لحكمتك
قلت: تدلل
***
كان الوقت متأخراً ليلاً. اغلقت الهاتف وفتحت – كعادتي- تسجيل القران الذي يستمر في القراءة قرب سريري بصوت هادئ حتى صلاة الفجر.
***
في اليوم التالي اتصل بي السياسي العراقي متسائلاً:
– هل كتبت المقال؟ هل نشرته؟
– كتبته وارسلته.. دقائق فقط وتجده منشورا باسمك
– بارك الله فيك…وكما اتفقنا؟
– بالتاكيد، بل اكثر من ذلك، ستجد فيه ما يقر عينيك
– كيف؟
– اضفت له ما يعزز موقفك الوطني الشريف في رفض التدخل الاجنبي، كما شرحت جذور ظاهرة داعش مما يزيل اسباب الكدورة من الحواضن التي تضطر لرفع الظلم عنها بالاستعانة بالاجانب.
– شكرا، بارك الله فيك..والله لقد حققت املي فيك. لم اكن اتوقع منك كل هذا الكرم.. لا ادري كيف سأرد لك الجميل. اقترح أنت
– لا لا معقول؟…موقفك الوطني مفخرة لكل العراق وهذا واجبي باعتباري عراقيا يؤمن بسيادة العراق واستقلاله
***
بعد اقل من دقيقة اتصل بي قائلا والقلق بادٍ على صوته:
– استاذ يمكن ان تقرأه لي ؟
– لماذا ؟ ستقرأه في الموقع بعد قليل
– فقط احببت ان اطمئن
قرأته له فثارت ثائرته وبدأ يهدد ويزبد ويرعد ويعد بالويل والثبور وعظائم الامور واغلق التلفون طالبا مني انتظار ما سيفعله بي ليجعلني عبرة لمن اعتبر
بقيت متعجبا!!
لماذا غضب؟ انا كتبت له فكرته بكل امانة، بل وزدت فيها تفصيلات ضرورية لايضاحها لكي تُفهم كاملةً في عمقها الوطني الأصيل..فهو حريص على سيادة العراق واستقلاله ومهتم بعدم فسح المجال لنفوذ الدول الكبرى فيه، وقد فعلت ذلك فوضعت بجانب كلمة ايران كلمة امريكا (وبينهما واو العطف)، فصار المقال دفاعاً عن استقلال العراق وسيادته ضد التدخل الايراني والامريكي …فلماذا غضب وثار وهدد هذا البرلماني الغيور على استقلال العراق والحساس من التدخل الاجنبي فيه؟
ثم اني حققت طلبه بتبرير موقف الحاضنة التي استضافت داعش فقلت: [ان من حق كل شريحة مذهبية او قومية ان تستضيف من الخارج من تشاء اذا شعرت انها مهمشة او مهددة]، واشرت – تأسيساً على ذلك- الى حق المهمشين في استضافة داعش، وحقهم في التنسيق مع امريكا والاردن وقطر والسعودية، واشرت كذلك الى حق الاكراد في التعاون مع تركيا واميركا واسرائيل لشعورهم بالمخاطر التي تهدد مصالحهم ، وقلت أيضاً: ان من حق اهل الوسط والجنوب الذين ارتكبت بحقهم المجازر (وتشهد لهم المقابر الجماعية) ان يستعينوا بأية قوة اجنبية اذا شعروا بخطر داعش او بخطر التمهيد لعودة البعث للسلطة بخطوة الغاء قانون الاجتثاث، او اذا وجدوا ان دواعش البرلمان تُواصل التعاون مع دواعش السيارات المفخخة التي تحصد العشرات منهم كل يوم.
فلماذا غضب إذاً؟
ألم احقق له مطلبه في ادانة التدخل الاجنبي وتبرير موقف الحاضنة من استضافة داعش؟
غريب امر دواعش البرلمان