كي برس/ مقالات ـ عدنان حسين
على خلفية مالية (موازنات السنوات الأخيرة) وإدارية (مناصب الدورة القادمة) نشِب عراك بالألفاظ والأيدي، وربما بالأرجل أيضاً، معيب للغاية بين أعضاء في إدارة نقابة المحامين العراقيين وآخرين طامحين بتولّي مواقع في الإدارة الجديدة.
هذا ما أفادت به الأخبار التي انتشرت ساعة وقوع العراك غير المسبوق بشكله، وهو ما قوبل بسخط يستحقه من الرأي العام العراقي، فالمفترض أنّ المحامين (القضاء الواقف) هم الأكثر قابليةً وقدرةً على تقديم القدوة الحسنة الى المجتمع لتسوية خلافاتهم وصراعاتهم سلمياً على وفق ما تحكم به القوانين السائدة. لكن يجب أن لا نغفل عن واقع أننا في العراق.. وفي العراق الحالي بالذات (عراق الإسلام السياسي) يمكن لأيّ جماعة أن تتذابح من أجل المال والامتيازات المادية، مثلما يتذابح المحاربون على الغنائم في الحروب ومثلما تتقاتل وحوش البراري على فطائسها.
الفساد الإداري والمالي في العراق تمتدّ مساحته الى أكبر وأوسع من مساحة العراق كلها، وهو لا ينحصر في حدود دوائر الدولة ومؤسساتها. ثمة المئات بل الآلاف مما تُعرف بمنظمات المجتمع المدني تعتاش على الفساد، وبينها نقابات. الفساد منتشر لأنّ الفاسدين والمفسدين قد أمِنوا العقاب ومن أمِن العقاب أساء الأدب كما قالت العرب.
فساد المنظمات والنقابات معروف، وقد كتب عنه وتحدث فيه الكثير من قادة الرأي والمجتمع، بيد أنّ لدينا دولة، هي دولة الإسلام السياسي، لها آذان لا تسمع أيّ حديث عن الفساد الإداري والمالي بالذات، ما يُبقي على كل شيء (فاسد) على حاله الفاسدة.
الدستور حكم منذ ثلاث عشرة سنة بأن تكفل الدولة للعراقيين تشكيل النقابات والاتحادات، مثلما حكم عليها بالشيء نفسه بالنسبة لتشكيل الأحزاب والجمعيات السياسية. بعد عشر سنوات من الضغط الشعبي سُنّ قانون الأحزاب لكنّ الطبقة السياسية المتنفذة حالت دون تشريع قانون النقابات لغرض في نفس نوري المالكي، رئيس الوزراء يومها وأصحابه من أهل السلطة والنفوذ، استناداً إلى منطق نفعي انتهازي يرى أنّ تشريع قانون للنقابات سيأتي بقيادات جديدة غير القيادات النقابية التي معظمها من نفايات عهد صدام. وبالنسبة للسيد المالكي وأشباهه فإن نفايات النظام السابق “حبّابة”، تسمع الكلام وتنفّذ ما يُراد منها، بخلاف القيادات المأمولة، ولهذا فإن جهاز الدولة محتقن بهذه النفايات وأتباعهم من عناصر الأحزاب الإسلامية الأكثر فساداً.
عدم تشريع قانون النقابات انتهاك لأحكام الدستور واستهتار بإرادة الشعب الذي تحدّى الإرهاب ليصوّت لصالح الدستور. القانون المطلوب يجب أن يعكس جوهر الدستور وروح النظام الديمقراطي الفيدرالي المطلوب، يكرّس حرية العمل النقابي وتعدديته ويناهض كل شكل دكتاتوري ويمنع تحويل النقابات الى بؤر للفساد الإداري والمالي وللصراعات على المال والنفوذ والسلطة.
تشريع قانون النقابات مطلب مستحقّ منذ عشر سنين في الأقل.، يعيّن أن يكون جزءاً من سياسة حكومية جادة هادفة إلى مكافحة الفساد، إن كانت لدينا سياسة كهذه! هل توجد؟